الاثنين، 24 ديسمبر 2012

استقلالٌ .. مزيّف ؟..



يبدو أنّ شهر ديسمبر مكتُوبٌ عليه في سابق القدر أن يحتفظ بتواريخَ مهمّة. قبل أيام كان زمرةٌ من النّاس ينتظرون انتهاء العالم يوم الحادي والعشرين حسب نبوءة تقويم قبائل المايا القديمة (هذه القبائل لا تندرج ضمن قبائلنا "الشريفة"؛ فيُرجى عدم الخلط). وسطُ مدينة مانشستر  التي أقطنُ احمرَّ كأنفِ فتاةٍ إنجليزيّة في هذا الصقيع. إنه لونُ زينة الميلاد المجيد – بتعبير المسيحيين العرب – في ذكرى ميلاد المسيح.

في ليبيا تزيّنت الحسابات الشخصيّة للكثيرين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بصورٍ تذكّر بيوم الرابع والعشرين من ديسمبر؛ الذكرى الحادية والستين لاستقلال ليبيا (أو بالأحرى اتحادها وتكوينها) سنة 1951. الجميلُ بشأن المواطن الليبيّ – كغيره من بني البشر في نظري – أنّه على استعدادٍ أن يحتفلَ وقتما شاء. يحتاجُ فقط إلى سبب، أيّ سبب كان. مناسبةٌ ليفرح، ويحسّ بالمجدِ، وليستحضرَ دماء الأجداد، ويقبّل التراب تحتها. الجميلُ أيضاً أنّه لا يقرأ كثيراً، لذا لن يحسّ بأدنى انفصامٍ في الشّخصيّة محتفلاً بالاستقلال الذي كان قبل زهاء سنتينِ يُنعتُ بـ "المُزيّف" في كلّ كتب التاريخ.

لكن، المثير للحزن والاكتئاب، هو ذاتُ هذا السلُوك. صحيحٌ أنّ الثورة تغيّر بعض الأشياء. لكن تغيير الوعي بالتاريخ لا يأتِي بمجرّد ذكرِ مناسبةٍ خاوية المعانِي إلّا من الاحتفال بمجدٍ قديم. تغيير هذا الوعي  (أو تكوينه بالأحرى) لا يحدُث حقيقةً بسبب انتصارِ طرفٍ على آخر في حربٍ ما؛ مهما بلغَ المجدُ والتضحية فيها.

انتصارُ الثورة لا يعني أننا تعلّمنا من عهد الأجداد. لا يعني أصلاً أننّا أعطيناه أيّ اعتبارٍ. فنحنُ الآن عاجزُون عن تعرية ثورتنا وتشريحها، فما بالُك بأحداثٍ جاوزت نصف القرنِ من الزّمان، نسيتها أجيالٌ، وطمستها أيدٍ، وتلاعبت بها أقلامٌ. قليلٌ من "مفكّرينا" من استغلّ هامشَ الحرّية الذي توسّع لكي يبحثَ وينقّبَ ويكتُب وينشر. هذه النّدرة قد يكون لها مبررّاتها، وقد تكون مجرّد تعبيرٍ صارخٍ للفقر الفكريّ المُدقع في بلد ملايين البراميل السوداء. مجرّد انعكاسٍ آخر للتّصحّر الثقافيّ المستمدّ من بداوتنا بالطّبيعة.
الزعيم بشير السعداوي 

سيحدّثنا الكثيرون عن الملكِ الصّالح، عن جهادِه وجهادِ أجداده. سيحدّثوننا عن إقراره لدعوتنا المشؤومة "إبليس ولا إدريس". سيتحسّرون على روعة ليبيا في الخمسينيّات والستّينات. بطبيعة الحال، لن يذكروا قصّة الاستقلال كاملة. لن تجري الألسنة بذكر رجال هضمتهم الحقبة الملكيّة بعد نضالهم المرير مثل الزعيم بشير السعداوي ورفيقه أحمد زارم وغيرهم. ولن تحكي ألسنتهم أيّ مشاكل مرّت بها العشرينيّة الملكيّة. كما لن يحلّلوا الأسباب المنطقيّة التي أدّت لزعزعة هذا الحكم من جذوره، ونكبِ ليبيا بملازمٍ لازمها أربعينيّة سوداء. حسبُهم التصفيقُ وكفى. ..!



ستنصبُ الأعلامُ، وستُلقى الخطبُ، ثمّ يعودُ كلّ شابّ ليبيّ إلى بيته، مستمتعاً بالاستقلالينِ القديم والجديد. القديمِ الذي حُدّثَ عن عظمتِه ولم يرهَا. والجديدُ الذي يتمرّغُ في بركاتِ إنجازاتهِ الّتي سيتغنّى بها كثيراً على مسامِعِ أبنائه الممتعضين.   
كل المدونات الليبية