|
منظورٌ لمدينة شفشاون |
شفشاون: غرناطة الصُغرى
يؤمن الكثير بمبدأ تجاذب الأرواح، الذي
يفسّر ارتياح الإنسانِ تلقائيّاً لبعضِ النّاس دون سابق معرفة. وفي الحديث عن النّبي – صلى الله عليه وسلّم - : (الأرواح
جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف). منذُ فترة، أمرّ بشعورٍ مشابهٍ، لكنّه تجاذبٌ
مكانيّ. والمكانُ في حالتِي يقعُ ببلادِ المغرب. البلادُ الّتي يعرفُ عنها
المشارقة مقدار ما يفهمون من لهجتها الصّعبة، ما يحجبهم عن كنوزها الكثيرة.
***
|
بيتٌ شفشاونيّ |
تبدأ القصة قبل نحو مائتي عامٍ من سقوط
غرناطة، حيث عاش بشمال المغربِ رجلٌ صالحٌ ينتسبُ لآلِ بيتِ رسُول الله ﷺ، هو [عبدالسلام بن مشيش]. تمضي الأيام والسّنون ليأتي عام
1471 أحد أحفاد هذا الرّجل، وهو الذي يشير إليه المغاربة بـ [مولاي عليّ بن راشد]، وليؤسس مدينة [شفشاون] لتكون
قلعة للجهاد ضدّ حملات البرتغاليين التي قادها بابوات الفاتيكان.
شفشاون، أو " شُف شاون" بلغة
الأمازيغ هي "انظر للقرون"، وذلك لأنّ المدينة تتوسّطُ منطقة تغصّ
بالجبال الشاهقة. زرقة السّماء ألهمت أهلها ليتّخذوا لونَها شعاراً لمدينتهم، فلا
تكادُ تلتفتُ في أزقّتها إلا انسابت أمام عينيك لوحةٌ بديعة، حتّى صارت تعرف
بالجوهرة الزّرقاء. لا يخالُها النّاظرُ لها من علٍ إلّا قطرةً نزلت من بحرِ السّماء
الآزورديّ لتضيف لجمال الخضرة الأرضيّ.
**
|
طفلة موريسكيّة أندلسيّة بشفشاون |
أميالٌ قطعها المُوريسكيّون المساكين،
بعد قرار الطّردِ النّهائيّ عام 1502 ليركبوا عرضَ البحر، تاركين وراء ظُهورهم
الفردوسَ الضّائع. ولم يجد هؤلاء من ظهرٍ يسندهم، ومن صدر يحتوي نحيبهم، ومن ساعدٍ
يشدّ أزرهم سوى أهلهم بالمغرب.
|
نسوة بالملامح التقليديّة، وملامحهنّ غير عربيّة بوضوح |
تفرّقوا في البلدان، وبطبيعة الحال،
نزل الأوّل فالأوّل منهم بالشّمال المغربيّ، وخصوصاً بغرناطة الصّغرى [شفشاون]،
الّتي يقطنها كثيرٌ من ذوي الأصول الموريسكية. ويجبُ الملاحظة هنا أنّ كلمة
موريسكيّ ارتبطت في الأذهان بالعربِ، وهذا مفهومٌ مغلوطٌ. فالموريسكيّ هو لفظُ
إهانة أطلقه الإسبانُ على المسلم المغاير لهم في الديانة، فمنهم العربُ،
والأمازيغُ، والنّاظر لوجوه أهل شفشاون مثلاً يجدُ كثيراً من الملامح الأوروبيّة
الدّالة على أصلها.
**
هذا المزيجُ الفريدُ، جعل شفشاون ما هي
عليه، غرناطة الصّغرى. مدينة جبليّة، طيّبة الهواء، زرقاء البُنيان، حِرفُها
اليدويّة انفجارٌ كونيّ صغيرٌ من الألوان.
|
عجائز شفشاونيّات بالزيّ التقليديّ المذكور |
لا أدري ماذا بالتّحديد، لكن هُناك
جاذبيّة ما تشدّني لهذه المدينة. هل السبب طبيعتها الخضراء وجمال اصطفاف أبنيتها
الزرقاء؟ ألكونها كانت قلعة للجهادِ والاستبسال؟ أم ربّما لامتزاج الأعراق فيها
بإبداع؟ أم ربّما هو الزّي المميّز لنسائها والّذي يُقال إنّه زيّ نساء غرناطة؟
قبّعة السّعف تلك، والحجاب الأبيضُ الذي يسترُ رداءً برتقاليّ أو أحمر اللون مخطّطاً.
لم أزُرها حتّى الآن، أتمنّى ذلك في
القريبِ العاجل، ولا شكّ عندِي أنّني سأشمّ بها بقيّة من رائحةِ الأندلس.