(لا علاقة لهذه التدوينة بأي أحداثٍ سياسيّة جاريَة الآن، كُلّ ما هُناك أنّ العبدَ لله كان " معزُولاً" لأسباب دراسيّة لفترة عن "المشهد السياسي". وإنّما هي فشّةُ غلّ حاصلة في الرقبة منذُ فترة حانَ أوانُ نشرها).
النهيقُ داخلَ السرب
جلس فرحاً أمامَ حاسُوبهِ يغرّدُ عبر تويتر عن احتشادِ مناصرين
لتوجهه السياسيّ بشوارع العاصمة حاملين شعاراتٍ ولافتاتٍ شتّى مصحوبة بمكبّرات
الصوتِ وغيرها من مستلزمات المظاهرات. حكّ رأسهُ ثمّ هشتقَ* وبشتَق. في غمرةِ
انسجامه انضمّ إليه سيلٌ من المناصرين يطلقون تغريداتهم الداعمة لذاتِ الموضوع. طبعاً
لم يخلُ الأمرُ من اختلاق وصفٍ يجمعُ بين الاحتقار والفكاهة للإشارة للطّرفِ الثاني
من النّزاع. سيتناسبُ مدى انتشارِ الفكرة مع مدى القدرة على الجمعِ بين الكوميديا
الجذّابة وازدراء الخصمِ.
ليدعمَ وجهة نظره جمع كُل الصور التي
تحصّل عليها من المظاهرة المذكورة أعلاه. طبعاً، اختارَ تلك النوعية من الصور التي
تظهرُ كبرَ عدد المتظاهرين والازدحام الذي خلقوه لكي يدعمَ وجهة نظره. احتدمَ
النقاش بينه وبين الخصُومِ في إحدى مواقع التواصل الاجتماعيّ. لا يدري لمَ يضيّع
وقته معهم. إنهم حمقى على أيّ حال. لكن "يللا، بالك ربّي يهديهم".
بفرحةٍ عارمة قرأ على إحدى صفحات
الفيسبوك خبر تصريح فُلانِ الفلانيّ الشخصية السياسيّة عن دعمه لموقفهم السياسيّ. لقد
كان يرَى فيه منذُ زمنٍ بعيدٍ حكمةً وبعد نظر. إنها الفراسة يا أخي.
لكن، بعد عدة لحظاتٍ،
شاهدَ مقطع فيديُو لذاتِ المحلّلِ ينتقدُ ذاتَ الموقفِ السياسيّ مما أدّى إلى
ارتجاج الطاولة تحتَ قبضة يده الغاضبة. "فليذهب للجحيم، إنهُ وغدٌ منهم. عميل. أكيد
دافعينله الكلاب. أصلاً كان مع سيف الكذّاب".
" لا أدري لماذا لا يفهم هؤلاء
الأوغاد. نحنُ لا نريدُ إلّا الصلاح للبلد. نريدُ حمايتها من الأيادِي الأجنبيّة
العابثة. نحنُ مع التعبير السلميّ دون سلاح عن صوتِ الشعب. نرحّبُ بالحوار وتبادل
الأفكار للدفع بعجلة التنمية والنـّ.. إلخ إلخ إلخ .. "
**
لاحظْ عزيزي القارئ رحمكَ الله أنّي لم أحدّد بعدُ التوجّه الذي ينتمي له الموصُوف في العبارات أعلاه. لكنّك قد خلقتَ بالفعلِ صورةً ذهنيّة له في عقلك. على الأرجح هو من خصُومكَ السياسيين الحمقى أليسَ كذلك؟
كُلّ يلُوم أطرافاً أخرى، وكلّ يحيلُ على
الأجندات الخارجيّة، وكلّ يصنّف ويصفّ الخصوم في رفوفٍ بعناية ليستمتعَ بالجلُوس
قبَالتهم وسبّهم وأمّهاتهم ومن سبَق من آبائهم. لا بأس. على أيّ حال، إنهم متطابقُون أكثر
مما يعلمون بكثير. كُلّ من هؤلاء الفرقاء لا يمثّلُ سوى نُسخةً من خصمه بطلاءٍ مختلفٍ.
إني الآن صرتُ أنظرُ بعين الريبة لكلّ
من يدّعي في ليبيا إيمانهُ بثقافة الحوار والتعايش في ظلّ الاختلاف الفكريّ. لا
يمثّلُ ما يقولون عندي سوى نوعاً من الاستحمارِ والنّفاقِ الفارغ. إنّي أدّعي كذبَ
معظمَ هؤلاء بغض النظر عن كونهم مسلمين أو ملحدين، إسلاميين أو ليبراليين أو غير ذلك. إن الكثيرين يثبتُون لي أنّ ما يعتمدون عليه هو الأحكام المسبقة. حُبّك/كرهك الشيء يعمي ويصمّ بل ويجعلُك كالأنعامِ.
في العربيّة، ساسَ يسُوسُ جذرٌ قد
يستخدم لوصف قيادة النّاس أو الدوابّ على حدّ سواء. لكلّ ما سبق، وتثبياً لثقافة
القطيع التراثيّة الأصيلة، أطالبُ بعودة الدوريّ الليبيّ "الممتاز" بأسرع وقتٍ ممكن
حتّى يوظّف الواحدُ منّا رغبته وشغفه بالانتماء ويمارسهُ ممارسَةً صحيّة وفعّالة،
بعيداً عن ضجيج السياسة. كما أناشدُ الحكومة الليبية أن تُدرجَ كرت الجزيرة
الرياضيّة ضمن السلع المدعُومة من الدّولة حتّى يُتاحَ ممارسَةُ هذا الحقّ ضمن إطارِ عالميّ. دعمُ الجزيرة الرياضيّة سيفتحُ علينا باب الأجندة القطريّة
ولا شكّ، فينبغي لتعديل الكفّة أن تُدعمَ باقة الشُوتايم حتّى يتسنّى للإخوة
الشلقميين أن يفصلُوا كرة القدم عن يد قطرْ.
هشتقَ العبارة يهشتقُها أي خلق منها
" هاشتاق ليستخدم في موقع تويتر.. هشتقَ وبشتقَ صيغةُ مُبالغة.