أن تأتي متأخراً
خيرٌ من أن لا تأتي أبداً . هكذا كان ما يجُول ببالي حال زيارتي لمعرض طرابلس للكتاب المحليّ في يومه الختاميّ 15 – 7 – 2012 . عدّة دور نشر ومكتبات محليّة زيّنت أجنحة معرض
طرابلس بصنُوف الكتب التي اصطفّت على أرففها.
أظنّ أن الفائدة
الأولى من مثل هذه المعارض هي تجميع ما تفرّق من المكتبات، وتقريبُ ما تشتّت من
الأرفف في مكان واحد. فالباحث عن كتاب ٍ ما في طرابلس قد يشقى ويتعبُ متنقّلاً بين
المكتبات المُتباعدَة دون نتيجة. كما أن حضور عديد دور النّشر من شأنه تقريبُ
القرّاء والمهتمين بالكتاب من كافة أنحاء ليبيا. فقد سعدتُ بتواجد دور نشر من
بنغازي، ومصراته، وزليتن، والزاوية ...
تميّز المعرضُ
أيضاً بوجود تخفيض ماديّ في قيمة الكتب كان في حدود العشرين في المئة. وهي قيمة لا
بأس بها إذا ما قارنّا أسعار الكتب المرتفعة بمتوسّط دخل الفرد في ليبيا.
جوّ معرض طرابلس
جميلٌ جدّاً ويذكّرالمرء بحقبة الازدهار الثقافي خلال ستّينيّات القرن الماضيّ.
موقع المعرض استراتيجيّ في قلب طرابلس، وتصميمه الداخليّ يشرحُ النّفس. إلّا أن
مزيداً من الاهتمام مطلُوبٌ من ناحية الخدمات. فلا بأس من إيجاد مقهى مُحترم ٍ أو
أكثر يستريحُ فيه الزائر. ولا ضيرَ من تنظيف ما اتّسخ؛ وإصلاح ما كُسر خلال سنوات
التيه الاثنين والأربعين.
محتوى المعرض،
يعكسُ حقيقة سنوات التيه هذه. فالمكتبةُ الليبية فقيرةٌ جدّاً ، بدلالة نقص
العناوين المحليّة رغم طبيعة المعرض المحليّة ! .. معظم الكتب تندرجُ تحت التراث
الدينيّ التقليديّ كأمّهات الكتب وغيرها. لاحظتُ أيضاً طغيان الحضُور السلفيّ في هذا
المعرض. ومن المفارقات أن تجدَ مكتبة ً تُسمّي نفسها " دار الإمام مالكـ
" ثم لا تلحظُ فيها أي عنوان للإمام مالكـ ولا لأحد من تلامذته؛ بل بالعكس،
محتواها سلفيّ بامتياز ولا يخرج من دائرة بن حنبل، وبن تيميَة، اللهمّ إلا من شيوخ
السلفية المعاصرين كالمدخليّ وغيرهم.
بخلاف المحتوى
السلفيّ (الذي لا يعتبرُ شيئاً جديداً فقد ظل حاضراً في سنوات القذافي الأخيرة)؛
الجديدُ في الكتاب الدينيّ كان حضور فكر الإخوان؛ الشيْءُ الذي أراه للمرة الأولى
في ليبيا. كتب الحسن البنا وتلامذته ومن تبعوه موجودة.
خلال جولتِي، كانت
عينيِ تنتظرُ إلقاء النظر على عناوين أكثر للتاريخ الليبيّ؛ خصوصاً فترة الاستقلال،
وفاجأني قلّة الموجود، فاقتنيتُ كتابَ مصطفى بن حليم (صفحات من تاريخ ليبيا السياسي).
من نافلة القول أن ما كُتبَ خلال فترة القذافي نقداً للنظامِ قليلٌ جداً، وهُنا لا
يملكُ المرءُ إلا أن يقف إجلالاً لمحمّد المقريف لمجهوداته خلال اثنين وأربعين سنة
يشهدُ عليها إنتاجُه المكتوبُ نقداً للنظام وفضحاً له. فشتّانَ بينَ من كتب وقت الضّيم، وبين الكتب الصفراء المليئة بفضائح القذافي المزعومة المنشورة آجلاً. وتلكَ الأمورُ كما شاهدتُها
دولٌ.
لم تكن للمعرض دعاية كبيرة (ولا حتّى صغيرة بالمرّة) . يفترضُ في مثل هذه الأحداث الثقافية أن يتم الإعلانُ عنها قبل فترة، وأن تكثف الدعاياتُ لجذب الحضُور. ولكن الواقع يشهدُ عكس ذلك. فحتّى المارّ بجانب المعرض لن يلاحظ أي وسيلة لإعلامه بوجود ما يستحقُ الاقتناء من الكتب داخله.
قد يسترسلُ المرءُ
في تعدادِ النواقص، والكمالُ لله. لكن آملُ أن تتكرّر مثلُ هذه المعارض، وأن
تُنمّى؛ فقد نرى – رغم الصّعابِ - يوماً
يصيرُ فيه الليبيُّ قارئاً لا مُتفرّجاً .
واحدة من اكبر المشاكل ان الشعب ليس محب للقراءة ، بكلمات اخرى لو قررت ان افتتح نشاط تجاري يتمثل في مكتبه و قمت باستجلاب ما يستهويني من كتب فلن اجد اقبالا يعوض تعبي ويشبع حاجاتي.
ردحذفشكرا على كل حال على الملخص الجميل تحياتي