الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

المُدافُعونَ عن المقدّس


ما حصلَ في بنغازي مساء اليوم لا يعدُو أن يكُون نسخة مكرّرة، كليشيه لمواقف عديدة سابقة شاهدناها. نكرَةٌ ما يُنتجُ عملاً (فيلماً، أو كتاباً .. الخ) مسيئا للإسلام، تنتفضُ على إثره جموعٌ بغضبٍ بركانيّ يحرقُ ويدمّر – وفي حالة أحداث اليوم يقتُل – كل شيء في وجهه؛ دون اكتراثٍ لدم الإنسان. يقُول عليه السلام (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة).

يمتاز غالبية القائمين بهذه الأعمال بسُوء تقدير للأمور ممزوج بتوجيه خاطئ للعاطفة الدينيّة. مثلُ هذه الأعمال المُسيئة – التي نستنكرها دون شك – كان لها أن تذهب مع الرّيح دون أن يضرّ نتنُها أيّ رمزٍ مقدّس. لكنّ المتسرعين يساهمون ببراعة – كُل مرّة – في نشر هذه الأعمال والدعاية والترويج لها.

والمتفحص للسوابق المُشابهة يرى نمطاً واضحاً تؤول إليه يبتدئ بإبراز وإشهار هذه الأعمال المُسيئة. ثم يوفّر دعماً لها من المدافعين عن الحرية المطلقة للتعبير والمطالبين بتوفير الحماية الكاملة. المُحزنُ اجترارُ تلك الصورة النمطية عن المسلمين بأنهم جموع غاضبة منفعلة هدفها الوحيد الهدمُ والحرقُ والقتلُ بالإضافة إلى تكميم أي صوتٍ يختلفُ عنها.

المحزنُ أكثر أنّ جل المسلمين ممن ينفعلُ ويغضبُ للمقدّسات يتعاملُ معها بمنطقٍ تملكيّ استحواذيّ. أي أنّ منطلقه في عمله هو من باب أن هذه المقدّسات ملكٌ له وتمثيلٌ له لذا فغضبهُ جوهريا هو غضبٌ لذاتِه، وانتصارٌ لنفسه.

كما أنّ عقلية الدّفاع هذه تُوحي للمشاهد أن أتباع هذا الفكر ضُعفاء ليس لهم حجّة يقنعُون بها غيرهم، وأنّ سياستهم تعتمدُ العُنفَ وسيلة وحيدة للحوار.

الغيرة على المقدّسات صفة حسنة إن وُجّهت للتعمّق في كُنهها؛ فكم ممن خرجُوا نُصرة لرسُولهم لا يعرفُون من سيرته إلّا اليسير. كم منهم لا يستطيعُ أن يتبّع نهجه في إنكار الذّات، والصّبر على الأذى، ومعرفة الأولويّات.

يخطر في بالي مقالُ أبي طالبَ في محنة أبرهة ومشرُوع هدم الكعبة "للبيت ربٌ يحميه". المُقدّساتُ في نظري محفُوظةٌ مدَى الدّهر مهما امتدّت لها أيدي السفهاء. ولكنّ السفاهة لا تنحصرُ في الآخرين بل فينا منها الكثير.

هناك تعليق واحد:

كل المدونات الليبية