الجمعة، 3 أغسطس 2012

قراءتِي لكتاب (قُبعة العقيد القذافي)


غلاف الكتاب الذي اقتنيته 
الثورة الليبية كانت حدثاً دوليّاً بامتياز. ستبدي الأيام نتيجة هذا للحسن أو للأسوء. المهم أن اضطلاع العالم بها كان عميقاً. ولا أدلّ على ذلك من حجم التركيز الإعلاميّ الذي لاقته، ربما لطبيعتها الدموية والطويلة. كاتبة هذا الكتاب (قبعة العقيد القذافي) من أبرز الذين غطوا الثورة الليبية بعمق من الإعلام الأجنبيّ، وهي الصحفيّة (آليكس كروفرد) المراسلة الدولية لقناة سكاي نيوز. وصفتها صحيفة الجارديان البريطانية بأنها (الصحفية التي ستظل للأبد مربوطة بالثورة الليبية عام 2011). لغة الكتاب هي الإنجليزية، ودفتاه تحملان 296 صفحة موزعة على 16 فصلاً، وقد نُشر في 29 مارس 2012. تعلو غلافه صورة للكاتبة مع أحد الثوار في باب العزيزية. ومنهُ أخذ الكتابُ عنوانه (قبعة العقيد القذافي). 

الفصُول الأولى .. الزاوية والمعاناة
تحملُ الفصول الأربعة الأولى قدراً كبيراً من الألم بين طيّاتها؛ رغم أنه يروي أحداثاُ جرت فيما لا يزيدُ عن أسبوع (ما بين الأول والسابع من مارس 2011). كغيرها من الأوروبيين كانت نظرتها العامة لـ ليبيا لا تجانبُ الصواب بأنها دولة يحكمها دكتاتور "يعامل بلدهُ بأسلوب شيوعيّ كمُختبر ٍ لعالم مجنون". عن وصولها لطرابلس في الأول من مارس تتحدّث عن هدوء عام في يوم الجمعة، إغلاقُ بعض المساجد في تاجُوراء، بالإضافة إلى مُعاينتها للمظاهرات المؤيدة للقذافي وكيف أنها شاهدت استجلاب المتظاهرين في باصات خاصة وتوجيههم من قبل رجال الأمن.
تقررُ هي وفريقها فورا التوجه للزاوية لسماعهم بتحركات شعبية هُناك. شاهدت كروفرد بأم عينها آلاف المتظاهرين المنادين بإسقاط القذافي، وكانت أول صحفية تنجحُ في الحصُول على صور موثقة من الغرب الليبيّ لمثل هذه المظاهرات. كانت أيضاً شاهدة على الدمويّة في قمع هذه المظاهرات. تحصل تقريرها التلفزيوني عن مأساة الزاوية على جائزة مونتي كارلُو الفرنسية. تقُول في كتابها " إطلاقُ النار هذا لا هدف لهُ غير القتل، والإصابة، والترويع. من الصّعبُ الشُعور بأي شيء إلا التعاطف مع هؤلاء الأناس العُزّل والخوفِ عليهم " .
استمرت في تغطيتها للزاوية، وحضرت أحداثا جساماً هُناكـ . شهدت القتال الذي اشتد بين الثوار والكتائب من الفندق الذي أنزلها أهالي الزاوية فيه. تمكنت أيضاً من الوصول للمستشفى وروت هُناك فظائع ودمويّة شديدة للإصابات القادمة إليه.
انتقلت بعدها إلى المسجد الموجود بوسط الزاوية عند ميدان الشهداء. وهناك اشتد القتال ويبدُو أن كتائب القذافي توغلت في المدينة بجوار المسجد تماما، لدرجة بلغ الناسُ فيها هلعاً ويأساً شديداً، حتّى ظنُوا أنهم جميعاً ميّتُون.
" كلنا نفكّر بنفس الشيء، لكننا نخافُ بشدة لدرجة تمنعنا من الإفصاح عن ذاك الشيء"  "سنموت بالتأكيد، لا أرى مخرجا، حتّى مارتن (مُرافقها) الذي خاض حرُوباً كثيراً حتى هو لا يرى مخرجا". "أشعر بحضور دبابات القذافي المتوحشة بالخارج قرب المكان الذي نجلسُ فيه. أشعُر أنّ الجدار الحجري رفيع كالورق وواه ٍ بشكل مروع" " يبدُو أن جنود القذافي يحيطون بنا من كل جانب... أصوات قذائف الدبابات شديدة جدا .. ضجيجها كالرعد يخترقُ أجسادنا. أرجوكم لا توجهوا الدبابات نحونا، أنا أصلي". "الثوار في الخارج يقاتلون من أجل حياتهم وحياتنا. مدينتهم تتعرض لهجوم عنيف وبربريّ من قوات القذافي، إنهم لا يملكون خياراً، يُقاتلون أو يسحقون"
ثم تتحدث عن طردهم لقوات القذافي ودخول الناس الميدان فتقول :
" إنهم يعانقون بعضهم، يبكون ويتنفسون الصعداء في بهجة. نحنُ نشعرُ بالمثل. أحقّاً طردوا جيش القذافي ؟ كيف نجونا بحق الجحيم ؟ يا إلهي، لقد نجونا بالفعل "
الفيديو من تقرير " معركة الزاوية " للصحفية آليكس كروفرد

فصلٌ مؤثر
من أكثر الفصُول التي تشدّ القاري، هو الفصلُ الخامس المُعنون (لماذا أستمرّ بالبكاء؟). يبدو فيه واضحاً الجرح النفسيّ الذي تركتهُ تجربة تغطية الأحداث الدمويّة في الزاوية في نفسية الكاتبة. تذكر أن همها الأول كان إبلاغُ العالم بمعاناة أهل الزاوية. تتحدّث عن عدم قدرتها على النوم، عن رؤيتها لكوابيس وومضات دمويّة في ذاكرتها للصور المروّعة التي شاهدتها هناك. تستحضرُ ذكرياتها هُناك ثم تقُول " لقد نجونا، ولكنّ كثيراً من الناس لم يفعلُوا. إن أهل الزاوية لازالوُا يمرُون بذاك العذاب " . الأثر النفسيّ كان بالغاً لدرجة أنّ قناة سكاي نيوز خصّصت طبيبة نفسيّة قدمت من أمريكا خصيصا لمنزل الكاتبة في دبيّ لعلاجها. يشدّني شخصيّاً في شخصيّات الصحفيين الأجانب استعدادهم للمغامرة من أجل قضية لا ارتباط لهم بها، ثم مشاعرهم الإنسانية الصادقة، رغم مهنيتهم الكاملة وحياديتهم.

انقلاب الكفة
على اليسار آليكس كروفود تمر خلال ممرات الثوار للاحتماء من القناصة
الفصول التالية من الكتاب تحملُ نبرة مختلفة. تعكس بشكل واضح جيّداً انقلاب الكفة في الثورة الليبية. بعد العلاج النفسيّ، تعودُ الكاتبة إلى ليبيا، متجهة إلى مصراته هذه المرة. هناك تروي مشاهدتها للبطُولات والحسّ التنظيمي الذي تكون عند الثوار بحكم الحصار والقتال الضاري لشهرين. تقُول " شيءٌ ما يربطهم بشدّة، إنهم فريق، وحدة واحدة، قوة مُقاتلة" . "بعضُ هؤلاء الشبان طلبة يُحاربُون بجانب أساتذهم، منهم من لم يتجاوز المُراهقة، ولكنهم ببساطة لا يعرفُون الخوف "

الزاوية تردّ الاعتبار
في هذا الفصل تتحدث الكاتبة عن دخول قوات الثوار للزاوية. القارئُ لأسطرها يلتمسُ حبها وارتباطها بهذه المدينة رغم محاولتها الالتزام بالمهنية دون إبداء كافة مشاعرها. تقُول "هذه هي الزاوية القويّة، لن تُستضعَف بعد الآن. هذه هي الزاوية المُسلحة" . "آخر مرّة كُنت فيها هنا لم يمتلكوا أي فرصة. ظننتُ أنهم قد انتهوا – سُحقوا بفعل قوة أعظم منهم بمرّات. لكن، من بين الركام والرماد والحطام والنّار، أحسّ أنني أرى عنقاء الأمل الليبي تنهضُ عاليا " ..


رتل الثوار وميدان الشهداء
في اليوم التالي تتوجه مع فريقها في رتل من الثوار القادمين من الزاوية لتحرير العاصمة. يشاء القدرُ أن تكُون أول صحفية أجنبية تواكب هذا الرتل. توجد على اليوتيوب صور لاستقبال أهالي طرابلس وفرحتهم بقدوم الثوار.
 تسجّل هذا في كتابها وتذكر استغراب منتجي نشرة الأخبار في لندن لسرعة وصولهم لميدان الشهداء. فالصورة عندهم كانت أن طرابلس هي معقلُ القذّافي وأنّ أهلها أشدّ مناصريه. تحكي أليكس طموحها وفريقها لتسجيل هذا الحدث التاريخي في التاريخ الليبي. وتقُول عن معايشته " أفكّر، يا إلهي. إن هذا يبدو كمشهد من فيلم سينمائيّ. نحنُ حقّا نعيشُ فيلما سينمائيا. إحساس سرياليّ بشكل ما " ..


باب العزيزية وهشام الوندي:
تستمرّ الأحداث بالتسارع لتجد آليكس نفسها بين الرصاص في باب العزيزية. سرعة وصولهم هُناك كفريق أجنبيّ لم كن بالمهمة السهلة إطلاقاً. في الكتاب وصفٌ للمعارك التي دارت في محيط حصن القذّافي الحصين. الشّابُ المشهُور الذي غنم ملابس القذافي الشخصية وصولجانه.  
" بين النيران، والقبعة، يعطي هشام خطابا بأسلوب رئيس وزراء، يحث الليبيين على نسيان الماضي، الوقوف معاً، شاكراً كل الدول التي ساعدتهم. إن لطيفٌ جدًا، أقول في رأسي، ياله من رجل راق ٍ " .

/


حُقَّ لليبيين أن يفخرُوا
النبرة العامة للكتاب تزخرُ بالانبهار بالشعب الليبي وثورته، وبالمشاعر الإنسانية الصادقة التي اكتسبتها الكاتبة خلال تجربتها في تغطية الثورة الليبية. هذا الإعجابُ لا يمنعُها من توجيه انتقادات لمشاهد رأتها، من إعدامات قام بها الثوار لبعض من جنود القذافي وهم مقيدون خلال معركة باب العزيزية. وتجاوزات في اعتقالات العمال الأفارقة خصُوصاً في الأيام الأولى التي تلت فتح طرابلس. لكنّ هذا لا يمنعُ تكرارها للذهول من مواقف عديدة آثرها فيها الليبيون على أنفسهم. تقُول مثلا حين التقائها بشاب من الزاوية كان قد اعتقل بسبب ظهوره في تقريرها : " لا أدري كيف لا يكرهني ويلومني لما حدث له. لكنه لا يفعل على الإطلاق. من أي شيء خُلق هؤلاء النّاس ؟ من مادّة خاصّة، هذا مُؤكّد ..! "
كملخّص، الكتابُ يحوي أسلُوباً سرديّا، لأحداث دمويّة، ومغامرات كثيرة، بالإضافة إلى رؤية إنسانيّة محايدة، يتجلّى فيها اشتراكُ البشر وارتباطهم ببعض خلال الظروف القاسية مهما تباعدت ثقافاتهم وخلفيّاتهم وجنسيّاتهم .. وهو يُعدّ إضافة قيّمة لأدبيات الثورة الليبية الشحيحة.


هناك 3 تعليقات:

  1. اعجبني طريقة تعبيرك عن الكتاب الكتاب مؤثر جدا و خصوصا بعد مرور هده الفترة لتدكير اليبين باحدات التورة و الكفاح و الجهاد ضد الطاغية و لاكن تقافة الكتاب المتدهورة في بلادنا يجب ان تتحسن لتكوين الشعب الواعي المثقف و شكرا

    ردحذف
  2. اعجبني طريقة كتابتك التي معظم الشباب في ليبيا يفتقد هده الموهبة لهادا ارجو من المدون ان يتواصل مع الشباب الدين يمكن ان تتطور فيهم هده الموهبة و انا شابة من الشباب التي ترغب في التواصل مع المدون لااستفادة لهادا اريدان اقترح فتح صفحة في الفيس بوك للهواة الي ان يصبحو متمرسين و ارجو ارسال الرد علي m.noran14@yahoo.com وشكرا مقدما

    ردحذف
  3. المرتب 4 الالف وبتولي دبي !!!!!

    ردحذف

كل المدونات الليبية