الجمعة، 24 أغسطس 2012

الأخبار الليبية ، والديناميكا الحرارية ..

[ نــكـــدْ ]

جمعتني جلسة في العيد مع أحد الأقارب؛ ممن ليس لهم أدنى اهتمام بالشأن العام في ليبيا .. وكان لهُ تبرير بسيطٌ لتصرّفه، وهو أنّ (الأخبار كلها نكدْ) ..

حالة (نـكد) مُزمنة .. هكذا يمكن تلخيصُ الشعور العارم الذي ينتابُ متصفّح الأخبار الليبية منذ فترة طويلة.. انفجارٌ هنا واشتباكٌ هناكـ، والحبُل على الغارب ..

أزعمُ أنّي كمواطنٍ ليبيّ أشاركُ الكثيرين من أبناء جلدتي إحساسهم العارم بخروج الأمور عن سيطرتهم. فما باليد حيلة تجاه قضايا يُفترضُ توليها من قبل الدولة .. وليس أشدّ مرارة على النفس من الشعور بالعجز ..



لا؛ بل الأمرّ من ذلكـ هو إحساسي المتنامي بأنّ المسؤولين في ليبيا يحكمُ تصرّفاتهم مزيجٌ من اللامبالاة وعدم الكفاءة .. وزير داخليتنا مثلاً – الذي يصرّ أحد أصدقائي أن إنجازه الوحيد الظاهر للعيان هُو أنّه " سمن شويّة " منذ توليه الوزارة – خرج ليعلّق على انفجارات طرابلس التي عيّد بها أنصارُ القذافي .. خرج من علٍ؛ يتحدّث عن إنجازات وزارته، التي " نجحت في القبض على المجرمين في خلال ثلاث ساعات ".. زاد الطين بلة إعلان وزارة الداخلية بعد أيام عن مصادرة 100 دبابة بحوزة كتيبة ما بترهونة .. بطريقة لااكتراثية كأنهم صادروا مئة كيلو لحم فاسد مثلاً ..

هذا السلوك عند المسؤولين الليبيين – أعني الأسلوب التبريريّ دائماً .. فوفقاً لرواياتهم، هم دائماً يعملُون ليل نهار، وإن قصّرُوا فإنّ الظروف كانت ضدهم، وإن أخطؤوا فإنها مجرد إرث الأربعين السوداء ..

***

[ ويأتيكـَ بالأخبار ما لم تزوّد ]  

يمكنني أن أتحدّث للأبد عن أخطاء وتقصير حكومتنا منذ توليها الوزارة قبل حوالي عشرة أشهر من الآن .. لكني سأطرحُ عناوين أخبار مُستقبليّة مقتضبة تراودُ مخيّلتي أحياناً:

-         سلسلة تفجيرات متزامنة تهزّ مدناً ليبية مخلّفة قتلى وجرحَى ..
-         العاصمة الليبية طرابلس تستيقظ على محاولة انقلاب عسكريّ .. واستنفارٌ أمنيّ شامل .
-         - نزاعٌ قبليّ في ليبيا يشعلُ فتيل الحرب .. وكتائبُ الثوار تصلُ لفضّ النزاع ..
-         شبّان غاضبُون يحرقُون وزارة العمل الليبية .. وأعمال شغب عارمة ..
-         الدينارُ الليبي يصلُ أدنى مستوياته على الإطلاق .. وانهيارٌ اقتصاديّ وسط ترقّب لإعلان إفلاس ليبيا قريباً ..
-         اشتباكات تخلّف قتلى وجرحى في جامعة طرابلس إثر اقتحام مسلحين سلفيين ..
ربما لونتُ الصورة بقتامة شديدة؛ لكن يمكنني ببساطة التفكير في مئات السيناريوهات التي هي قابلة للحصُول مادامت الأمور متروكة سبهللة كما هي الآن .. وقد نبقى حبيسي هذه الدائرة النكديّة بشكل مزمن ..

**

[ نواميس الكون ]

يقرّ القانون الثاني للديناميكا الحرارية أن الأشياء في هذا الكون تؤول إلى حالة من الفوضى كلما تركت للزمن .. أي أنّ الاتّجاه نحو الفوضى هو المسارُ الطبيعي للأمور .. فالماء المسكوب مثلاً لا يمكن أن يتوقع منه أن يأخذ شكلاً معيناً؛ بل يتجه إلى الانتشار العشوائيّ ..

يحدّثنا هذا القانون الطبيعيّ أيضاً أنّ الانتقال من حالة الفوضى إلى النّظام لا يكون إلا ببذل قدر معيّن من الطاقة في سبيل ذلكـ .. وأنّ هذا يجبُ أن يكون خيارًا واعياً .. فالاتجاهُ للنظام ليس خياراً تلقائيا .. فلإعادة الماء المسكُوب إلى وعائه لابد من عمليّة واعية تبذل فيها طاقة معيّنة للوصول إلى حالة النظام المنشودة ..
كذلك أرى الأمور في ليبيا .. آيلة للفوضى ما تركت هكذا ..

**
من أجل أن ننتقل إلى حالة النظام، ربما سيكون على قريبي الذي يعتزلُ الأخبار أن يهتم أكثر بالشأن العام .. ربّما يجبُ على وزير الداخليّة أن يدرس الديناميكا الحراريّة ليفهمَ سنن الكون .. أو ربّما من الأفضل لي أن أقلّد الآخرين في نظرتهم المفرطة في الورديّة للمستقبل .. لكنّي أعلمُ أنّ نواميسَ الكون لا تُحابِي أحداً ..

كان (إدوارد مورفي) مهندس طيران أمريكيّ مختصّاً في أنظمة السلامة .. وقد قال كلمة جرت بها الألسن واشتهرت في اللغة الإنجليزية .. يقُول فيها
" أي شيء لديه إمكانيّة الخراب، سيخرب "Anything that can go wrong will go wrong."

عندما نستيقظ على الخراب سنوقن أنّ وقود " البركة " الذي يسيّر البلاد على رأي البعض سينفدُ لا محالة .. وعندها، لات ساعة مندم ..


هناك تعليق واحد:

  1. أعجبني ما كتبت و خاصتاً قراءتك للمستقبل لأننا اتفقنا أن الآتي سيء - إن لم ترجع الكهرباء إلى عقول الناس- مع اختلافي معك في مقدار السيء فإنني أراه أشد سواداً مما ذكرت ، وأخالفك في " تهجم السلفيين على الجامعة " كأنني فهمت أن السلفيين عندك - اي في ظنك - ضد التقدم والعلم ؛ فإن كان هذا الذي قصدت فقد جانبت الصواب وإن لم يكن كذلك فلما هذا التخصيص ؟! ، و أقول من باب بشر ولا تنفر " حتى للفوضى قانون " .

    ردحذف

كل المدونات الليبية